السبت، 6 مارس 2010

" سِـيدِي المِــدِّبْ "دراسة نقدية في التربية - سامي بلحاج علي

" سِـيدِي المِــدِّبْ "

تأسيس 1:

يقتضي الحفر في المخيال التونسي ان نتوقف عند الانماط الاولية المولدة للمفاهيم والرؤى.ويقتضي التناول العلمي للاشعور الجمعي كذلك ان نسلط اضواء المجاهر جميعها على مقوِّمات مؤسِّسة للمخزون المشترك من التجارب الممتدة تاريخيا والمؤثرة في الوعي والتصور.وتقتضي حفريات المعرفة ان نغوص في اليات "عقلية" للتقبل والانتاج لا بد فيها من التصدي للموقف من العلم اوالتعليم . وتقتضي بديهيات الوعي بالذات والهوية ان ندرس تاريخنا ونحلل واقعنا ونتعمق ظواهر مجتمعنا فنقف عند الممتد في تاريخنا المؤسس لاضلاع رئيسة في كياننا.ولابد حينئذ من الوقوف عند سبل تمرير الرموز والمعارف سواء اكانت تقليدية ام حديثة .وهكذا تبدو صورة "المؤدب" في المجتمع التونسي التقليدي والحديث من أي منطلق اردت الدخول اليها مجالا واعدا لانها مقوم ضروري لا بد من تناوله بالدراسة والتحليل.

تأسيس 2 :

تذكر كتب التاريخ ان أبا الحجاج بن يوسف الثفقي كان مؤدبا للصبيان وورث ابناه عنه هذه المهنة . وقد ولد الحجاج سنة 41 للهجرة وتوفي سنة 95 .وتحتفظ الكتب التي ذكرنا بصورة الحجاج في الكتاب نحيلا ضئيلا حتى سماه رفاق الحفظ" كليبا" . ثم تولى بعد ذلك تسيير الكتاب مع اخيه محمد زميله في الدراسة والتدريس .لكنه سرعان ما فارق الكتاتيب إلى الجندية .وسواء كانت هذه الاخبار حقيقية ام منحولة بعد أن فعل الحجاج بالتاريخ العربي ما فعل فانها تسبطن في جميع الاحوال نظرة للمؤدب يلخصها مالك بن الريب المازني حين يهجو الحجاج قائلا :

فلولا بنو مروان كان ابن يوسف كما كان عبدا من عبيد إياد

زمان هو العبد المقر بذلة يراوح صبيان القرى ويغادي ( كتاب الكامل ) وقد لا نجد اشارة لهذه المهنة تصعد بها لما هو ابعد زمنيا من هذه الاشارة التي تحيل على ظاهرة جديدة سماها العرب معلِّمي " كتاتيب القُرى " ونسبوا اليهم ما نسبوا .تذكر الكتب ان العرب كانت ترسل ابناءها للبادية حتى تتقوى الابدان وتفصح الالسن وتشتد الاعواد.لكن ان يجمع الناس ابناءهم على مؤدب يعلمهم في مكان مخصوص فهذا ما لم يعرفه العرب في جاهليتهم .عـُرف ذلك في القصور.هذا اكيد. فالخاصة كانت تعهد منذ قديم الأزمان بابنائها إلى حكيم مختار يؤدبهم ويعلمهم ويؤهلهم للمسؤوليات القادمة .وتذكر كتب التاريخ مؤدبين للخاصة من حكماء العرب .والسؤال يتعلق بزمن تعميم هذه الممارسة على كل طبقات المجتمع. تقترب حياة الأديرة من الكتاتيب في التعليم والتدريب. لكنها ليست خاصة بالأطفال . و"المؤدب" فيها زعيم روحي ورئيس مذهب .وتحتفي كتب السيرة النبوية بحرص الرسول صلى لله عليه وسلم على تعلم صحابته القران .لكن لم يذكر انه امر بتخصيص مكان في المسجد للحفظ والتحفيظ .قبل ان يفتدي اسرى المشركين انفسهم بتعليم المسلمين القراءة والكتابة لكن ذلك انسحب على الكبار دون الصغار . والمعطيات المستقاة من سيرة الحجاج تؤكد ان ثلاثين سنة فقط بعد وفاة الرسول كانت كافية لظهور وانتشار كتاتيب القران ومعلمي القرى ان لم يكن في كامل الجزيرة العربية ففي الطائف على اقل تقدير .فكيف انتشرت كتاتيب القرى بهذه السرعة؟

تأسيس 3

يقول الجاحظ في البيان والتبيين : « المعلِّمون عندي على ضربين: منهم رجال ارتفعواعن تعليم أولاد العامّة إلى تعليم أولاد الخاصّة، ومنهم رجال ارتفعوا عن تعليم أولاد الخاصّة إلى تعليم أولاد الملوك أنفسِهم المرشحين للخلافة، فكيف تستطيع أن تزعم أنّ مثلَ عليِّ بنِ حمزة الكسائِيِّ، ومحمد بن المستنير الذي يقال له: قُطْرُب، وأشباهَ هؤلاء يقال لهم: حَمْقَى، ولا يجوز هذا القولُ على هؤلاء ولا على الطّبقة التي دونهم، فإنْ ذهبوا إلى معلِّمي كتاتيب القُرى فإنّ لكلِّ قوم حاشيةً وسَفِلة، فما هم في ذلك إلاّ كغيرهم، وكيف تقول مثل ذلك في هؤلاء وفيهم الفقهاء والشُّعراء والخُطباء، مثل الكميت بن زيد، وعبد الحميد الكاتب، وقيس بن سعد، وعطاء بن أبي رَبَاح، ومثل عبد الكريم أبي أمية، وحسين المعلم، وأبي سعيدٍ المعلم، ومن المعلِّمين: الضحّاك بن مزاحم، وأمَّا معبد الجهني وعامر الشَّعبي، فكانا يعلمان أولاد عبد الملك بن مروان، وكان معبدٌ يعلم سعيداً، ومنهم أبوسعيد المؤدب، وهو غير أبي سعيد المعلم، وكان يحدِّث عن هشام بن عروة وغيرهم،ومنهم: عبد الصمد بن عبد الأعلى، وكان معلم ولد عُتبةَ بن أبي سفيان، وكان إسماعيلُ بن علي ألزم بعضَ بنيه عبدَ اللَّه بن المقفع ليعلِّمه، وكان أبو بكر عبد اللّه بن كيسان معلماً،ومنهم: محمد بن السكن،وما كان عندنا بالبصرة رجلان أروى لصنوف العلم، ولا أحسنَ بياناً، من أبي الوزير وأبي عدنان المعلِّمَين، وحالهُما من أوَّل ما أذكر من أيام الصِّبا وقد قال الناس في أبي البَيداء، وفي أبي عبد اللَّه الكاتب، وفي الحجَّاج بن يوسف وأبيه ما قالوا، وقد أنشدوا مع هذا الخبر شاهداً من الشعر على أنّ الحجّاج وأباه كانا معلمين بالطائف،(البيان والتبيين 350-351-352».

تأسيس 4

مر التعليم في تونس والمجتمع من ورائه بثلاث مراحل واضحة المعالم : مرحلة "سيدي المدب" ومرحلة "سيدنا المعلم" ومرحلة " آنستي ".

تأسيس 5

" وأنشدني من لفظه شمس الدين محمد بن بادي قال: أنشدني الشيخ بدر الدين حسن بن

المحدث لنفسه: من المنسرح

كن عاذراً شاتم المؤدب إذ يأخذ من عرضه ويشتمه

لأنه لاطه على صغرٍ ومن يلوط الصغير يظلمه

وكل فلسٍ حواه يأخذه وكل قوت بالضرب يؤلمه "

الوافي بالوفيات / الصفدي صلاح الدين 696/764ه .ص :

قيل للإسكندر: إنك تعظم معلمك أكثر من تعظيمك لأبيك. فقال: لأن أبي سبب حياتي الفانية، ومؤدبي سبب الحياة الباقية! وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقام لأحد إلا لذي علم أو لذي سن أو لذي سلطان. وقيل: لا يستخف أحد بمن تعلم منه علماً إلا وضيع خامل أو رفيع جاهل. وعن بعض العلماء: لا يتحركن ثلاثة لأحد: القاضي في يوم مجلسه، والكاتب في وقت أمره ونهيه، والمؤدب في مكتبه. محاضرات الادباء 1/15 الراغب الاصفهاني .

قال الشاعر:
كفى المرء نقصاً أن يقال بأنه ... معلم صبيان وإن كان فاضلاً
وقال آخر:
إن المعلم حيث كان معلم ... ولو ابتنى فوق السماء سماء
1/18 المرجع نفسه

هناك 3 تعليقات:

  1. عندي اعتراض على مرحلة انستي هذه.

    ردحذف
  2. تشبيك ما كملتش؟

    ردحذف
  3. الظاهر هذي مسودات خدمة....

    ردحذف